العمارة الإسلامية … سجالات في الحداثة
في مؤتمرٍ «تحولات الراهن… مستقبل النقد الفني العربي في ظل انفتاح الأنساق الفكرية الأنسانية»، قدَّم الباحث علي ثويني أطروحته البحثية حول العمارة الإسلامية، وموضوع الحداثة الذي تناولته أطروحة الباحث شائك بعض الشيء، والحداثة مفهوم يتعلق بالإنسان وجذوة تطلعاته لقادمِ الأيام، وصراعه بين جذب الماضى ومغرياته ونزعة التوق والإنعتاق الى مجهولِ التجريب والمغامرة التي شكلَّت دائماً عِلّة التقدم الإنساني… ومولود الحداثة المُتداول في ثقافتنا العربية ليس من صلبها. يطرح الباحث إشكالية مفاهيم التراث والحداثة المعمارية، التراث الذي عانى من التهميش في صلبِ الثقافة العربية على رغم كونهِ عاكساً لحراك الوعب ومُحركاً له من جهةٍ أخرى.
يبقى التراث مفهوماً حداثياً على رغم سلفيته في الثقافة العامة ويَرد باللغة الإنكليزية بصيغ Heritage patrimony – legacy وجاءت الحداثة الى الغربيين في الأزمنة المتأخرة وتحديداً بُعيدَّ عصر النهضة، بعدما شغفوا بأطلال روما ومآثر اليونان وتطور الأمر بُعيد الثورة الصناعية عام 1789 وما زال الأخذ والرد يرد في فهم التراث وحدوده وآلياته وجدواه.وثمة خلاف بين التاريخ والتراث، فالتاريخ يعني تحديد الزمن وأحداثه بينما التراث ينشغل بالنتاجِ الثقافي والحضاري خلال التاريخ، ويفسر الباحث التراث بأنه (نفحات المكارم في كنف المنتَج التاريخي) ويعَّرفه داعية الأنسنة المفكر الجزائرى محمد أركون بأنه يعني كل العادات والتقاليد السابقة للإسلام والتي استمرت بشكلٍ أو بآخر بعد الأسلام، أما الدكتور محمد عابد الجابري فيُعّرفه قائلاً: «إذا كان الميراث أو الأرث هو عنوان اختفاء الأب وحلول الابن محله فإن التراث هو عنوان حضور الأب في الابن، حضور السلف في الخلف، حضور الماضي في الحاضر». أما عبدالله العروي فيعّرفه على أنه «كل ما هو موروثٍ في مجتمع مُعين عن الأجيال الغابرة… العادات، الأخلاق، الآداب، التعابير» بيد أن لا يحصرهُ فيما هو مكتوب أو مروىّ.
سياقات الحداثة
المحور الشكلي: الذي يختزل العمارة الإسلامية في أشكالها الأكثر رواجاً مثل العقود والقباب والقبوات والأحواش الداخلية والأواوين والشناشيل (المشربيات) والشذرونات (النافورات – الفوارات) ويعطي لهذه الأشكال وظائف خصوصية إسلامية موحدة الجذور والمظاهر والمآرب.المحور الروحاني الصوفي: الذي يُرى في التاريخ المعماري إنعكاساً مباشراً لنظرياتٍ عرفانية تعود لمتصوفة التراث كابن عربي وجلال الدين الرومي وأخوان الصفا. وهذا التيار يحتاج الى البحث المعمق والرصين لإثبات قناعاته، من خلال البحث في المنسي والمهمل من مدونات تراث (الأنسنة) والعقلنة الإسلامي وتحليلها ومقارنتها.المحور البيئي: الذي يجد في الممارسات الشعبية والريفية قيمة دراسية تستحق العناية تماشياً مع النزعة الحداثية للعناية بالبيئة. ويتعلق الأمر بدراسة الحلول المثلى لمقارعة معطيات البيئة من حرارة وجفاف وشح الماء من خلال حلول معمارية بسيطة ومفهومة للجميع وتحتكرها النخب.الاستلهام من عمائر الإسلام
أهم التجارب
أولاً: التجربة الغربية في إحياء التراث الإسلامي، التي سعى اليها المعماريون الغربيون في القرن التاسع عشر ثم توسع نطاقها في بواكير القرن العشرين، عند مجيء رهط من المعمارين ممن وجدوا أفضلية العمارة المحلية وغناها ورسوخها وجمالها.ثانياً: التجربة المحافظة التي تقتضي إعادة إنتاج مفردات التراث بتصاميم تغني بالأسلوب التخطيطي المعاصر والمنهجية التنظيمية الوظيفية، وتستفيد من غنى الموروث الشعبي الذي يحتم استعمال مواد البناء المحلية.ثالثاً: التجربة الكلاسيكية الجديدة وهى التي ترمي الى إعادة صياغة كثير من مفردات العمارة التراثية وصياغتها بأسلوب تسهيلي منهجي من خلال مساقط حداثية لا تخلو من نفحات تراثية في الهيئة والحجوم.رابعاً: التجربة الحداثية المشرئبة الى التراث وهي تهتم بالشكل أكثر من المضمون الأساسي في التصميم.خامساً: التجربة الفكرية التي تسعى بخطى حثيثة وثّابة الى استلهام عمارة إسلامية معاصرة لا تأخذ من التراث أشكالها فقط بقدر ما تبحث عن العقلانية في التوظيف الأنسب للفضاءات المعمارية مستمدة من واقع المكان وبأي موادٍ متوفرة.الحداثة مفهوم مُخالف للتراث. وظهرت كلمة (حديث) لأول مرة في اللغةِ الفرنسية القديمة في القرن الرابع عشر ثم جاءت العصور الوسطى لكي تستخدم المفهوم بشكلٍ أوسـع يفي بالتعاقب الزمني وذلك لكي تتمايز عن الأزمنة السابقة التي تُعد نموذجاً يحتذى به وبدءاً من نهاية القـرن الثامن عشر عَرفَ مفهوم الحداثة توسّعاً كبيراً ومسّ جميع الحقول.
ظهرت بواكير الحداثة الغربية في البلدان العربية والإسلامية على مرحلتين، إحداهما إبان القرن التاسع عشر والثانية في القرن العشرين. الأولى جاءت برغبات سياسية وتيسيرية عليا وتجسدت في شمال أفريقيا أكثر من مشرق العالم الإسلامي وجاءت بقبول شعبي محتشم. ظهرت في مدن المغرب العربي الإسلامي، وفي مصر نابعة من الرغبة التي طغت على توجهات محمد على وورثته من الخديوية المصرية وبخاصة حفيده الخديوي إسماعيل (1830- 1895).
ثم جاءت المرحلة الثانية بعد حلول القرن العشرين وتصاعد إيقاعها حتى منتصفه غير مُكترث بالتراث حتى توّج بممارسة الرعيل الوطني القادم من بلدان إسلامية والذي درس العمارة في الغرب وما تلاه من أجيالٍ، أدخلَ هذا الرعيل على العمارة تحسينات كان مقصدها الترويج للفكر الحداثي في مجال العمارة. ومن الجدير بالذكر ان التوجهات المحلية لم ترفض التوجهات الجديدة وأدرك الحداثيون سريعاً بأن نشاطهم المعماري سيكون له قيمة وتأثير عميقين في الممارسة البنائية لبلدانهم. عندما شرع انتاجهم في التعاطي مع قضايا أساسية تهم فئات عريضة في المجتمع.
ظهرت بواكير الحداثة الغربية في البلدان العربية والإسلامية على مرحلتين، إحداهما إبان القرن التاسع عشر والثانية في القرن العشرين. الأولى جاءت برغبات سياسية وتيسيرية عليا وتجسدت في شمال أفريقيا أكثر من مشرق العالم الإسلامي وجاءت بقبول شعبي محتشم. ظهرت في مدن المغرب العربي الإسلامي، وفي مصر نابعة من الرغبة التي طغت على توجهات محمد على وورثته من الخديوية المصرية وبخاصة حفيده الخديوي إسماعيل (1830- 1895).
ثم جاءت المرحلة الثانية بعد حلول القرن العشرين وتصاعد إيقاعها حتى منتصفه غير مُكترث بالتراث حتى توّج بممارسة الرعيل الوطني القادم من بلدان إسلامية والذي درس العمارة في الغرب وما تلاه من أجيالٍ، أدخلَ هذا الرعيل على العمارة تحسينات كان مقصدها الترويج للفكر الحداثي في مجال العمارة. ومن الجدير بالذكر ان التوجهات المحلية لم ترفض التوجهات الجديدة وأدرك الحداثيون سريعاً بأن نشاطهم المعماري سيكون له قيمة وتأثير عميقين في الممارسة البنائية لبلدانهم. عندما شرع انتاجهم في التعاطي مع قضايا أساسية تهم فئات عريضة في المجتمع.
Commentaires
Enregistrer un commentaire